|
قد لا نُخطئ الحقيقة إذا قُلنا إنّ الحديث عن المرأة المغربية المتعلِّمَة، التعليمَ العصريّ، لا يكون مُتاحا للدّارس إلّا مع بداية القرن العشرين الميلادي، أي بعد ما صار للأوروبيين بالمغرب مُستقرٌ ومُقامٌ. وكان هؤلاء قبل الحماية قد أنشؤوا - في إطار سياسة التّدَخُّل السِّلْمِيّ- العديد من المؤسّسات التعليمية لتربية وتثقيف أولادهم، وكان من تَبِعات هذا أنْ جلبوا إلى بلادنا مناهج جديدة في التعليم لم يكن للمغاربة بها عهد، وفضلا عن المدرسة تَعرّفنا بواسطتهم على وسائل جديدة لِبَثِّ الثقافة والمعلومة كالجريدة والمطبعة والمسرح.
|
|
|
|
يمكن أن نقول بكثير من الاطمئنان العلمي أن العلامة المؤرخ أبا القاسم الزياني صاحب "الترجمانة الكبرى في أخبار المعمور برا وبحرا" ينتمي إلى طينة المؤرخين المبدعين الذين تجاوزوا طريقة التأريخ التقليدي في اتجاه منهج تاريخي يجمع بين التاريخ والجغرافية وعلم العمران مع اهتمام مبكر بعنصري الاجتماع والثقافة كجزء أساس في الكتابة التاريخية؛هذا ما دفعنا إلى تخصيص هذه المقالة المركزة لهذا العالم المؤرخ السفير الرحالة...
استكمالا للجهد الذي كنت بذلته في التعريف ببعض مشاهير الرحالة المغارب مثل ابن رُشَيد السبتي والعبدري الحاحي، سأعرف في هذه الحلقة برحالة وفقيه كبير من القرن الثامن الهجري، كان معاصرا لابن بطوطة وابن خلدون ولسان الدين بن الخطيب إبّان حكم الدولة المرينية بمغربنا المبارك.. يتعلق الأمر بالأديب القاضي الرّحالة أبو البقاء البلوي صاحب "تاج المفرق في تحلية علماء المشرق"..
يعد محمد العبدري الحاحي من أهم الرحالة المغاربة في القرن السابع الهجري، وهو معاصر لابن رُشيد السبتي، والتّجيبي السبتي الرحال، وقد دَون العبدري مشاهداته في رحلة جليلة الفوائد، عظيمة القدر، هي "رحلة العبدري" أو "الرحلة المغربية"، وقد طبعت بالرباط سنة 1968 م بعناية الأستاذ الكبير محمد الفاسي الذي اعتمد على نسخ كثيرة من المخطوطة منها النسخة الموجودة بخزانة القرويين، كما طبعت الرحلة بدمشق سنة 1999م، دار سعد الدين، بتحقيق الدكتور علي إبراهيم كردي..
قال سيدي عبد الله كنون في كتابه "ابن بطوطة" (منشورات إيسيسكو، 1996): "هو الرحالة العالمي الشهير أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن يوسف اللواتي الطنجي المعروف بابن بطوطة.. ولواتة التي ينتسب إليها هي بفتح اللام، قبيلة مغربية منازلها الأصلية ببرقة من أرض طرابلس...
يعتبر أدب الرحلات من أفيد وأمتع المصادر الثقافية في تاريخ الإسلام، ذلك أن مدوني الرحلات جمعوا في أعمالهم بين الخُبر والخَبر، وساروا في الأرض بحثا عن العلم والثقافة، وليعايشوا أنماط الاجتماع والسلوك الإنساني بالمشاهدة والعيان، وليحققوا مآرب شتى على رأسها زيارة الوجهتين الوجيهتين مكة وطيبة بتعبير الرحالة الكبير ابن رشيد السبتي..
رأيت أن أخصص هذه الحلقة لرحالة مغربي كبير ترك لنا رحلة من أروع وأبدع كتب الرحلات في عالم الإسلام.. يتعلق الأمر بالرحالة الأديب ابن جبير الكناني..
شكلت الرحلة جزءا من الشخصية الثقافية للغرب الإسلامي، وهذا يدل على رغبة المغاربة في اكتشاف الآفاق بحثا عن المعرفة والثقافة، ولا شك أن الحج وزيارة مدينة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم شكلا المقصد الأسمى للرحلات المغربية الأندلسية، لكن أبعاد الرحلة كانت متعددة يشترك فيها الديني بالعلمي بالثقافي والسياسي.
|
|
|